بهذه المناسبة الخالدة، أقدم من أعماق قلبي، تحية عطرة بشذى الياسمين، إلى كل أم وأخت وزوجة كوردية، لدورها التاريخي المجيد، في استمرار النسل الكوردي، وتحملها المشاق والويلات، في مشاركتها الفعالة جنباً إلى جنب مع نظيرها الرجل في حركة التحرر الوطني الكوردستاني، وهي تكافح في شمال كوردستان، حاملة سلاحها، سلاح الشرف والكرامة والعزة في الدفاع المقدس، ضد الاحتلال التركي الطوراني البغيض لوطنها كوردستان. وكذلك الحال في غربي كوردستان ، حيث تشاهد المرأة الكوردية الباسلة، في صفوف الأحزاب الوطنية الكوردستانية، وهي تقود التنظيمات السياسية، وتشارك بقوة وفاعلية بتوعية شعبها، وتعريفه بحيثيات حقوقه المهدورة و وطنه المحتل، من قبل الحكومات العربية المتعاقبة على دست الحكم في الكيان السوري المصطنع، ولا تقل مشاركتها في صفوف القوات الكوردية العسكرية عن مشاركتها السياسية في الدفاع عن حياض الوطن ضد قوى الإرهاب، القادمة من جحورها و أوكارها المظلمة، لكي توقف عجلة التاريخ، لكن هيهات، أن هؤلاء الأميون، لا يجيدون قراءة التاريخ، و لا يدركوا أن التاريخ تجاوزهم، وعجلته لم ولن تعود إلى الوراء أبداً، بل ستسحق كل من يقف أمامها، كما سحقت أسيادهم من قبل، ورمتهم في مزبلة التاريخ. وفي شرقي كوردستان، لا زالت المرأة الكوردية تعاني من اضطهاد مزدوج، الأول لأنها كوردية، والثاني لأنها امرأة تعيش في ظل نظام طائفي وضع المرأة في مصاف الحيوانات، لكن هذه السياسات الرجعية المتخلفة، لن تلين من عزيمتهن، حالهن حال الرجال، يواجهن الاحتلال بكل ما أوتين من قوة وعزيمة، حيث يشاهدن في قمم جبال كوردستان، يد تحمل السلاح، ويد تكافح مع أخيه الرجل في جميع ميادين النضال، وفي مخيمها حيث تقيم مع زوجها وأبنائها تربي بكل فخر واعتزاز النشء الجديد، لكي يكون القدوة الحسنة بعد التحرير في بناء دولة كوردستان. وفي الجنوبي الكوردستاني، حيث حصل الشعب الكوردي على بعضاً من حقوقه المشروعة، في ظل النظام الاتحادي، الذي اعتمد في العراق بعد تحريره من براثن الحكم الدموي الغاشم، حيث اعترف الدستور العراقي الدائم، بإقليم كوردستان، الذي يدير شؤون الشعب الكوردي منذ عام (1991) كإقليم كوردي قائم بذاته، لم تبخل المرأة الكوردية التي نهضت من تحت سحابة الغازات القصف الكيماوي، وركام الأنفال سيئة الصيت بالعطاء لوطنها وشعبها، سرعان ما باشرت مع نظيرها الرجل، ببناء ما خربته العقلية العروبية المريضة، خلال العقود التي احتلت فيها جزءاً من كوردستان، وهي تقف اليوم بكل شموخ وإباء، وتحتل المواقع المتقدمة في دوائر ومؤسسات الإقليم، كعضو في البرلمان، و وزيرة، ومهندسة، ودكتورة، وعاملة، وضابطة في قوات الپێشمه رگه والأجهزة الأمنية، التي تحافظ على سلامة المواطنين وأمن واستقرار الإقليم، من المتربصين به من المحتلين وأذنابهم. إن المرأة التي ينظر إليها عند بعض القوميات ... نظرة دونية، كتابع للرجل حتى من خلال اسمها، حيث الذكر يسمى المرء، والأنثى تسمى المرأة، ملحقة بها تاء التأنيث، التي لا محل لها من الإعراب في القواعد العربية، وهي رمز التمييز والتقسيم بين البشر، بناءاً على الأدوار الاجتماعية بينهم، وليس على التركيب البيولوجي للإنسان، كذكر و أنثى، متساويان في جميع شؤون الحياة، دون أي تمييز أو تهميش أحدهما للآخر كما نصت عليه وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي أقرتها الأمم المتحدة عام (1948) ونصت فيها على حقوق البشر الأساسية، ولم تمييز بين بني البشر على أساس الاختلاف البيولوجي والفيزيولوجي كوظائف أعضاء الجسم الحيوية بينهم كذكور وإناث، كما جاءت في المادة رقم (1):" يولد البشر كلهم أحراراً متساوين في الكرامة وفي الحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء" وجاءت في المادة رقم (18) التي امتنعت بالتصويت عليها في حينه كل من، المملكة العربية السعودية، والاتحاد السوفيتي، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، واتحاد جنوب إفريقيا (العنصري)، وأوكرانيا، وبيلوروسيا (روسيا البيضاء)، ويوغوسلافيا، تقول المادة:" لكل إنسان الحق في حرية الفكر والضمير والدين، وهذا الحق يوليه الحرية في تغيير دينه أو معتقده، والإعراب عنهما بالتعليم والممارسة والعبادة وإقامة الشعائر الدينية" لقد سبق الشعب الكوردي جميع المنظمات الدولية التي تدعوا إلى احترام حقوق المرأة منذ أزمنة سحيقة، حين أطلق على الأنثى، اسم ((ژن)) وهو مختصر لكلمة ((ژيان)) أي: الحياة. وهذه حقيقة، لا تخطئها العين، ولا يغفل عنها العقل، لأنها فعلاً تعطي الحياة، وهي تشكل مع نظيرها الرجل، العنصر الأساسي في استمرارية حياة الإنسان على هذا الكوكب، بعد الخالق جل وعلا، وهي شاركت الرجل ولا زالت تشاركه، ببناء الحضارة الإنسانية، بكل جدارة وثقة. وفي العصور الغابرة، قبل مجيء الأديان التوحيدية، كانت للمرأة منزلة مرموقة في المجتمع الكوردي، فلذا نرى بعض الكورد يُعرفون إلى اليوم بأسماء أمهاتهم؟. وفي سومر جعل أجداد الكورد، من الأنثى آلهة تعبد وتطاع، ويتضح لنا هذا من خلال أسمائها ك(نن) وهو مختصر (نه نه) بمعنى السيدة، الجدة، في اللغة الكوردية، التي تسبق أسماء الآلهة مثل (ننتي) آلهة الشهور وراعية الزمن، و (ننسگلا) آلهة دلمون، و (ننكاسي) آلهة الخمرة، و (ننكورا) آلهة الأصباغ، و (ننكيزي اوتو) آلهة نباتية، و (ننسار) سيدة الخضار و النباتات التي تؤكل، و (ننمو) سيدة النباتات ذات الألياف، و (ننسون) أم دموزي، و (ننليل) زوجة إنليل، و (ننسينا) آلهة الشفاء، الخ. هذه هي المرأة، منذ البدء رافقها الرجل أينما حلت وارتحلت. نراها في بواطن كتب التاريخ، الأم الأولى، حين كانت زوجة لأبينا آدم، و وضعت الإنسان الأول في التاريخ على كوكبنا. وحين كانت آلهة في سومر وأصقاع أخرى، صانت شعبها من الأمراض والأوبئة، وثورات الطبيعة التي لا ترحم، وحين تصبح أماً، تحتضن أبنائها تحت جناحيها، خوفاً من أي خطر يداهمهم، حتى تصنع منهم رجالاً يصنعون التاريخ، وبهذا العمل الجبار، تكون هي كل المجتمع، وليس نصفه كما يزعم البعض. وفي العصر الحديث، أصبحت المرأة، معلمة تربي الأجيال، وتحوي في صدرها الحنون، تلامذتها، وتضع فيهم، أولى نبراس العلم والمعرفة، هذه هي المرأة، تفوق على الرجل في ميادين عدة، أهمها، حين تضع الجنين، هل يتحمل الرجل تلك درجات الحرارة التي تتعرض لها المرأة عند الولادة؟، هل يمتلك الرجل نفس تحمل المرأة على المشقة والمعانات؟، فلذا قالوا، وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، فالعظمة هنا، ليست للرجل، بل للمرأة التي حفزت الرجل وساندته، حتى أصبح عظيماً. للأسف الشديد، لا زالت المرأة في غالبية بلدان الشرق تعاني من الاضطهاد والتعسف على يد الرجل، حتى أن دساتير تلك الدول، لا زالت دساتير ذكورية، تنصف الرجل على حساب المرأة، وهذا عار على جبين الرجل الذي يعيش في مجتمع تهضم فيه حقوق نظيره الإنسان، بسبب الجندر (Gender) الذي هو مجموعة أفكار اجتماعية متخلفة تُعرف الأدوار والمواقف والاعتقادات والقيم للرجل والمرأة، وما هو مناسب لهما للقيام به، وما يجب أن يكونا عليه الخ. وما على الرجل المتحضر، الذي يريد أن يزيل هذه الوصمة عن جبينه كرجل، إلا أن يضع في أولويات حياته اليومية، وفي نصب عينيه، مساواة المرأة بالرجل في المجتمع الذي يعيش فيه، ويحاول جاهداً، أن يثبته في دستور بلده، لكي لا يقال، أنه ينتمي لمجتمع ذكوري بغيض، يسود فيه الرجل المتخلف الظالم، على المرأة المظلومة، مسلوبة الحقوق، ومهدورة الكرامة، ومستباحة الدماء.