كتبت الكاتبة و الروائية الجزائرية (أحلام مستغانمي) في رواية (النسيان) ذات يوم كلمة قالت فيها (داخل كل إنسان قصة يود لو ينساها) تذكرت هذه الكلمات وأنا أسترجع في لحظات تأريخاً يمتد الى أربعة عقود من حكم البعث و جرائمه تجاه الشعب العراقي عموماً و والكورد على وجه الخصوص، وقلت في نفسي بأن داخل كل كوردي قصصاً كثيرة وليست قصة واحدة عن جرائم النظام و بطشه و ظلمه يود الإنسان الكوردي حقاً أن ينساه. . . قتل وتهجير و تبعيث و أسلحة محرمة دولياً و حملات أنفال وهدم آلاف القرى الكوردية بمساجدها . . . بالمقابل ولسنوات و سنوات سمعنا الآخرين يمدحون و ويغنون لقائد الضرورة ويملؤن الدنيا صراخاً وصخباً وألحاناً و موسيقا وأناشيد يرددها كبارهم وصغارهم ولعل إحدى أشهر الكلمات التي سمعناها لسنوات من حكم صدام و البعث ونود نحن الكورد نسيانها كانت(بالروح بالدم . . . نفديك ياصدام )، ومع بشاعة كل تلك الجرائم و فظاعتها لأربعة عقود لم يحول الكورد صراعهم مع صدام ونظامه الى صراع قومي بين كورد وعرب فمن المنظور الكوردي كان الصراع بين نظام دكتاتوري مستبد وشعب لا يملك سبيلاً آخر سوى الدفاع عن نفسه . وحتى بعد سقوط النظام عام 2003 و الصراع الطائفي بين شيعة العراق وسنته وسقوط عشرات الآلاف من العراقيين بذلت القيادة الكوردية جهوداً جبارة من أجل نزع فتيل الأزمات و محاربة الإرهاب بكل أشكاله و إطلاق المبادرات و عقد مؤتمرات لحل المشاكل وقطع الطريق أمام كل التدخلات و المؤامرات التي كانت تستهدف العراقيين جميعاً . . . و وسط كل هذا كان الساسة العراقيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء نوري المالكي منشغلاً ببسط نفوذه على الدولة و مفاصلها، محارباً خصومه السياسيين، شركائه في الوطن . . متهماً ذاك بضلوعه في الإرهاب و مخوناً هذا ومعتقلاً آخر بتهمة الإنتماء للقاعدة وداعش والقائمة تطول . . . الى أن أصبح المالكي يجمع كل السلطات في يده فعدى كونه رئيساً للوزراء وقائداً عاماً للقوات المسلحة فهو وزير بالوكالة لعدة وزارات سيادية و مهمة ولسان حال العراقيين الآن تجاه المالكي ( سبع صنايع والبلد ضايع) .
والملفت بأن السيد المالكي وطوال هذه السنين وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء لم نرى رئيس الوزراء يعترف بمسؤوليته تجاه الدماء التي سالت بل على العكس ظل يمارس هوايته المفضلة وهو توزيع الإتهامات على خصومه، القاعدة وداعش بل حتى مع التيار الصدري و المجلس الاعلى بقيادة السيد عمار الحكيم و الدكتور إبراهيم الجعفري، وعن خلافاته مع حكومة إقليم كوردستان والمسائل العالقة كتصدير النفط و إيراداته و قوات البيشمركة و الشركات و الميزانية و حصة الإقليم فحدث ولا حرج . ولكن الطامة الكبرى للمالكي هي محاولته الأخيرة لخلق فتنة طائفية عربية كوردية من خلال تصرفه اللا مسؤول ومحاولته إستخدام الحادثة المؤسفة التي أودت بحياة الإعلامي ومدير مكتب إذاعة العراق الحر في بغداد (الدكتور محمد بديوي) على يد ظابط كوردي تابع للحرس الرئاسي في منطقة الجادرية وسط بغداد يوم السبت الماضي، بل وحضوره شخصياً (وهذا ما لم يفعله طوال سنوات رئاسته للوزراء) وسط حراسة مشددة غاضبا ومهدداً متحولاً الى القاضي والحاكم والمنفذ مطلقاً تصريحات هستيرية حول القضية قائلاً ( أنا ولي الدم . . . والدم بالدم ) محاولاً خلق فوضى عارمة وتشتيت الرأي العام العراقي وإخفاقاته على جميع الأصعدة، بدل أن يصرح كاكبر مسؤول تنفيذي بأن القانون يجب أن يأخذ مجراه الطبيعي . . الأمر الذي رأى فيه الكثيرين محاولة فاشلة يروم المالكي من ورائها خلق توتر طائفي بين الكورد والعرب في العراق . وهذا يدفعنا للتساؤل لماذا الإصرار دوما على خلق الحقد والإحتراب و التناحر لمصلحة من إذكاء نار الإحتقان الطائفي ولماذا يكون الدم دوماً حاضراً في خطاباتنا بدءً من بالروح بالدم في زمن صدام والبعث و إنتهاءً ب( الدم بالدم ) في زمن نوري المالكي، أما آن الآوان لكي ننسي بعض القصص في دواخلنا كما قالت الكاتبة أحلام مستغانمي .